(1976-...) طبيبة وكاتبة، لها عدد من المؤلفات الأدبية والعلمية وعمود ثابت بجريدة الشروق المصرية إضافة لكونها فنانة تشكيلية. حازت أعمالها على جوائز متعددة منها ساويرس الأدبية لعام ٢٠٠٨، وأحمد بهاء الدين البحثية لعام ٢٠٠٩. اختارتها مجلة Forgein Policy عام ٢٠١٦ في قائمتها السنوية “مائة من قادة الفكر في العالم”، وفي عام ٢٠١٧ اختارتها Words Without Borders في قائمة ضمت ٣٣ كاتبة على مستوى العالم مِمَن يجرؤن على التغيير في مجتمعاتهن، وتم ترشيح روايتها “الطابور” في العام نفسه للقائمة الطويلة لجائزة Best Translated Book Award وهي إحدى أهم ثلاث جوائز للأعمال المترجمة في الولايات المتحدة، ووصلت الرواية إلي القائمة القصيرة لجائزة “TA First Translation Prize”، وقد صدرت في ترجمات لسبع لغات مختلفة. حظت الكاتبة بتكريم خاص مِن مجمع اللغة العربية في نهاية عام ٢٠١٧ تقديرًا لجهودها في نشر الثقافة بالعربية الفصحى المتقنة، واختارها معهد Gottlieb Duttweiler السويسري، المختص بدراسات تشكيل الرأي العام، في قائمة ”الأكثر تأثيرًا في الرأي العام العربي“ خلال العام نفسه. أحدث أعمالها الصادرة عن دار المحروسة رواية أعوام التوتة.
أحدث المحاسب وزوجه -وقد اقتحما الجلسة اقتحام الغزاة المتعجرفين- أثرًا كقرقعة سوط، اخترق هواء الصالة فأربكها وقوض نظامها، وتنحى عم كامل مشدوهًا، مستاءً من تأويل حديثه على غير ما قصد، بينما ألجم السؤال الأخير لسان الأستاذ جودت فثبت بصره على زوجه ينتظر الغوث، ونطقت ملامح السيدة أليفة بالتوتر إزاء هذا التدخل الصفيق الذي لم يراع الأصول، وأرادت بشدة أن تمسك لسان جارها المنفلت عن الاسترسال، وأن تكف جموحه الذي يخلخل ما أقامت حول شئونها الخاصة من أسوار ظنتها منيعة. لن تفصح مهما جرى عن أسرارها، والمجتمعون أغلبهم جهلاء بالحقائق الدامغة التي أودعتها صندوقًا موصدًا بالشمع الأحمر، وهل في مقدورها وإن اضطرت أن تطلعهم على شيء كهذا؟
" نظر إالى أسفل ثم انحنى ليعيد عقد رباط حذاءه المفكوك ... لم يكن سالم ينحنى بسهولة .. كان يلزمه أن يجلس بطريقة ما ، هبط كما اعتاد فى تأن ، وبعد أن اتم مهمته استند بكفيه على الأرض ليقف ، لكن رائحة غربية لفحته ... رائحة ليست الصحراء مصدرها المباشر .. رفع رأسه قليلا ً فاصطدم بصرة بكتله سوداء لا تبعد عنه سوى أمتار قليلة .. كان الذئب يطالعه فى فضول وكأنما يتساءل عما جاء به إلى هناك .. تسمر سالم وأحس أن قدميه تغوصان فى مكانهما .. لم يكن جالسا ً تماماً ، كما تكن ساقاه مفرودتين ؛ كان ظهره محنيا ، ركبتاه نصف مثنيتين ، كفيه على الأرض تغطيهما الرمال ، وحزامه الجلدى ما يزال منحلاً ومتدليا من ملابسه .. كان الحزام يضيف له بجانب يديه وقدميه طرفا خامسا .. " " مجموعة شديدة الإحكام ، بناء دقيق سواء فى اللغة أو تفاصيل القصة ، وصف ليس فيه زيادة أو نقصان .. حس قصص تشكوف المتعاطفة مع المرضى والبسطاء ، وقصص يوسف إدريس التى حملت هذه النزعة الإنسانية الساخرة " .
ثُمَّ خَفَضتُ بَصَري أَطمَئِنُّ عَلَى يوسُفَ، فَفُوجِئتُ بِهِ يَتَشَمَّمُ يَدَهُ المُتَعَرِّقَةَ الَّتي التَصَقَ بِها فُتاتُ الكَعكَةِ، بَينَما سِلاحُهُ مُلَقًى بَينَ قَدمَيْه، صَوَّبتُ سِلاحي مِن جَديدٍ، وَرُحتُ أُطلِقُ الرَّصاصَ راجِيًا مِنهُ أَنْ يَفعَلَ مِثلي، فَأَمسَكَ سِلاحَهُ، وَمَدَّ ذِراعَهُ عَنْ آخِرِها، وحَرَّكَها يَمينًا وَيَسارًا دونَ أَنْ يَقَعَ مِنهُ فارِغٌ واحِدٌ: "أَنا لَستُ عِمادًا يا رَبيع". صِحتُ بِهِ مَمرورًا لا أَجِدُ الوَقتَ لِلجَدَلِ: "كُنْ عِمادًا اليَومَ فَقَط، مِن أَجلي"...
لا شَيءَ مِمَّا يَحفَظانِهِ في الذَّاكِرَةِ مَوجودٌ في مَكانِهِ إِلَّا السَّيِّدَةَ المُتَسَوِّلَةَ الَّتي يَعرِفانِها جَيِّدًا، حينَ اقْتَرَبا لَمَحاها هُناكَ في مَكانِها، أَسفَلَ اللَّافِتَةِ البَنَفسَجِيَّةِ لا تَزالُ، لَكِنَّ أَشياءَها الَّتي كانَت ثابِتَةً تَغَيَّرَت وتَحَوَّرَت قَليلًا، صارَ أَمامَها نَوْطٌ ذَهَبِيٌّ مُعَلَّقٌ في شَريطٍ داكِنِ الزُّرقَةِ، وبِجانِبِهِ أَكياسُ المناديلِ الوَرَقِيَّةِ ومَوقِدُ الجازِ القَديمُ. "في رِوايَةِ الطَّابور عالَمٌ يُشبِهُ الواقِعَ، وحَقائِقُ لَيسَت هِيَ الحَقائِقَ. يَتَحَوَّلُ تاريخُ السَّنواتِ الثَّلاثِ الأَخيرَةِ إلى أَسئِلَةٍ، ومَشاكِلَ مُعَذِّبَةٍ لِلرُّوحِ والعَقلِ، كُلُّ النَّاسِ في الطَّابورِ «الثورة المَيدان، الأَحداثُ كَلِماتٌ مَوجودَةٌ، ولَكِنَّها لا تُقالُ» البَوَّابَةُ في نهايَةِ الطَّابورِ. السُّلطَةُ الغاشِمَةُ القاهِرَةُ: لا اسمَ لَها ولا تاريخ". روايَةُ الطَّابورِ لا تُجيبُ، وَلِكَّنها تُجيدُ صِياغَةَ الأَسئِلَة".